كم كنتُ غبيّة
مشيتُ في شوارع دمشق الضيّقة ذات مساء … لستُ أدري متى لكن ذات مساء .
أتدرون ؟ ….
ليلتها لم تفح من شوارع الشّام روائحُ العطر الليلكيّة ، ولم أسمع أصوات مارة وهم يضحكون ، ولا عشاق
يتغازلون .
وكأن الحياة توقفت عندي لفترة زمنيةٍ قصيرة , و انطفأت فيها كل مشاهد دمشق الجميلة ليدنو قلبي من قلوب كثيرين متألمين … ليلمس أتعابهم ،و يشعر بوحدتهم القاتلة .
فسمعت لأول مرة أصوات أنين ،غضب ،تساؤلات كثيرة وعتب.
هم متعبون أكثر مني ومنكم .
حيارى أكثر مني ومنكم .
مستسلمون أكثر مني ومنكم .
وبلا رجاء.
عرفت يومها أن في ثنايا البيوت من لانعرف عنهم شيئاً ولا يعرفون عن جمال الحياة شيئاً… يعيشون ولا يعيشون … يبكون ولا يُسمعون …سجناء مرض ،سجناء ترك ،سجناء وحدة ،…… الخ .
عدتُ يومها الى بيتي الدافىء غاضبة و أول ما رأيتهُ ودون أي مقدمة أو تحية قلتُ لهُ :
ألا تشعر بهم ؟!!!
ألا تُؤلمك وحدتهم ؟؟!!
ألا يُيقظ فيك أنينُهم شيئاً ؟!…..
لم يُجبني بكلمة لكن دموعه المغرورقة أخذتني الى أوقات تُرك فيها وحيداً تماماً وهو يقول لأحبابه أما قدرتم أن تمكثو معي ساعة واحدة بعد … الى حين كانت نفسه حزينة حتى الموت …. الى حين ضُرب ولم يَعُد يقوى على السير … والى الصليب حيث سمروه فلم يَعُد يتحرك .
وكأنَّه في هذه المشاهد أراد ان يقول لي أنا اختبرت كل أوجاعهم و متضايق و متألم لأجلهم .
فقلت له ما العمل ؟
ألا تريد أن تعمل لأجلهم شيئاً الان ؟!!… ستبقى هكذا ؟!!!
فأجابني بذات السؤال .. فلم افهم .
أعدت السؤال عليه , فأعاد الاجابة نفسها علي .
لم أفهم اجابته بل مضيت غاضبة …..
حتى قرأت و أدركت أن :
«رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ،))
كم كنت غبية . أناااااا من لا يعمل .